Header arabic FINAL

كتب بواسطة: Faisal Saleh on . الزيارات: 1542

تاريخ المحاكم الشرعية بإندونيسيا


تطورت المحاكم الشرعية بإندونيسيا بالأوضاع و الظروف المختلفة، ففي بعض الأحيان، كانت الإختصاصات و السلطة التي تملكها المحاكم الشرعية تسير وفق المعالم الإسلامية و معتقدات الجمهور الإندونيسي . و في حين آخر، قد قامت سلطة الإحتلال الهولندية و بعض فئة المجتمع المسترزقة بتضييق هذه الإختصاصات بكثير من السياسات المقيدة و اللوائح المضيقة حتي تضعف مكانة المحاكم الشرعية وسط المجتمع الإندونيسي.

قبل أن شنت سلطة الإحتلال الهولندية هيمنتها القانونية علي المجتمع الإندونيسي، في الحقيقة، كانت الأحكام الإسلامية كالنظام المستقل قد وجد قبولا واسعا لدى عامة الناس و لها تأثير عميق في صبغة الأنظمة القانونية في الدولة. فعلى سبيل المثال، كانت الممالك الإسلامية المتوجدة في أنحاء البلد قد طبق الأحكام الإسلامية في كل ولاياتها. المملكة الإسلامية باشاي التي تأسست في و لاية آتشيه الشمالية في أواخر القرن 13 مـ تعتبر من أوائل الممالك الإسلامية بإندونيسيا و تتبعها فيما بعد كثير من الممالك الأخري مثل: مملكة ديماك و جابارا و توبان و غريسيك و نجامبيل و بانتين. و في المنطقة الشرقية من دولة إندونيسيا، قد تأسست الممالك الإسلامية الكثيرة منها: مملكة تيدوري و مكاسار. و في القرن 16 مـ، قد نشأت القوة الإسلامية الجديدة و هي مملكة ماتارام التي كانت في البداية تحكم جاوى الوسطى ثم توسعت ولايتها تشمل كثير من الممالك الصغيرة المنتشرة في شواطئ البحر الشمالية من جزيرة جاوى. هذه المملكة كانت لها دورا كبيرا في انتشار الإسلام في كل ارجاء البلد. باقتناع حكام المملكة ماتارام دين الإسلام، قد حقق ذلك انتشار الإسلام في القرن 17 مـ و يشمل معظم ولايات إندونيسيا.(مختار زركشي: 21).

دخل الإسلام إندونيسيا عن طريق التجارة عبر المدن المتوجدة في سواحل البحر بالسلم و الأمن بعيدة من أي اضطراب. و لذلك كانت التعاليم الإسلامية سرعان ما وجد قبولا لدى الناس بسهولة و انتشرت تعاليمها لتشمل معظم سكان البلد. مع الظهور المجتمع الإسلامي كانت الحاجة إلى وجود الهيئة القضائية التي تقوم علي الأسس الإسلامية كبيرة للمجتمع المسلم الإندونيسي حين ذاك. و تظهر فكرة هذه الإحتياجات مع وجود المحاولة الجادة من قبل المجتمع المسلم لإيجاد الهيئة القضائية وفق الأحكام الإسلامية.

في الظروف المعينة، خاصة عند عدم وجود القاضي في بعض المناطق البعيدة، تحاكم المتنازعان لدى الشخص الذي تتوفر له شروط الحَكَم. القرار الذي اصدره الحكم لا يسري علي المتنازعين إلا إذا كان الطرفان موافقين بالحضوع علي قضائه. و بالإضافة علي ذلك، سريان هذا القضاء يكون في المجالات التي لا تمس بأحكام الحد و التعزير.عند عدم وجو د الفقيه، يقوم اهل الحل و العقد بتفويض السلطة القضائية الى من يراه مناسبا لهذه المهمة.

تولية القضاء من ولي الأمر(أو من يقوم مقامه) الى من يراه مناسبا و تتوفر فيه الشروط لمزاولة هذه المسؤولية في الحقيقة هي القضاء علي مبدأ التولية. لذلك، مع مراعاة هذه الأطوار الثلاثة لقيام المحاكم الشرعية ، يمكن ان نقول ان تطورات المحاكم الشرعية بإندونيسيا تبدأ بمرحلة التحكيم و هي في بداية دخول الإسلام الي هذا البلد. ثم بعد ذلك، عندما نشأ المجتمع المسلم بقيام كثير من الممالك الإسلامية في كثير من الولايات و هي قادرة على ادارة شؤونها وفق التعاليم الإسلامية بدأت مرحلة نشأة المحاكم الشرعية عبر تفويض القضاء من اهل الحل و العقد. وجود هذه الظاهرة الأخيرة تتجلي في المناطق التي تقال بمناطق المحاكم التقليدية (inheemscherechtdpraak in rechtsstreeks bestuurd gebied) أو (adatrechtspraak). التطورات الأخيرة للمحاكم الشرعية هي مرحلة تولية القضاء من الإمامة (ولي الأمر او من يقوم مقامه) و هي بعد نشأة الممالك الإسلامية في كثير من الولايات. كان تعيين القاضي في هذه الفترة يتم باختيار المالك كولي الأمر حين ذاك.

المحاكم الشرعية في عهد الممالك الإسلامية زاولها رجل الدين الذي يقوم بإدارة المسجد في تلك المنطقة. أما الجلسات القضائية فهي تقام في ميدان المسجد حتى اشتهر هذه المحاكم في تلك الفترة بالقضاء الميداني .هذه الواقعة توجد في معظم أقاليم الممالك الإسلامية في أنحاء البلد و التي تعتبر أن منصب رجل الدين او القاضي هو جزء لا يتجزء من إدارة المملكة.

المحاكم الشرعية و الأحكام الإسلامية هما كشئ لا يتجزأ بعضها جزءا من الأخر. فقد كانت سيرة المحاكم الشرعية بإندونيسيا تتميز بالتطورات المتبينة تتقدم في حين و تتأخر في حين آخر. تعد المحاكم الشرعية في عهد الممالك الإسلامية جزءاٌ من عناصر الحكومة العامة و هي آلية من آليات الحكومة لإدارة الشؤون الإسلامية في جميع نواحي الحياة. في عهد احتلال الهولندي، حاولت الحكومة المهولندية إزالة المحاكم الشرعية و بدلها بالمحاكم الخاصة التي تحكم بالقوانين الهولندية، ولكن فشلت الهولندية في ذلك لسبب عدم تطبيق الأحكام الشرعية.

المحاولات لإزالة المحاكم الشرعية بدأت مع دخول قوة احتلال الهولندية الى إندونيسيا بأشكال و أساليب مختلفة. ومن أبرز هذه الأساليب تقليل اختصاص المحاكم الشرعية قليلا فقليلا. ففي سنة 1830 مـ قررت الحكومة الهولندية بأن المحاكم الشرعية تحت رقابة المحاكم العامة (Landraad). المحاكم العامة هي التي تتفرد بسلطة التنفيذ لقرارات المحاكم الشرعية، فالمحاكم الشرعية ليس لها السلطة لعملية تصدير النقود و الأموال (داود علي:23). غياب هذه السلطة لدى المحاكم الشرعية تستمر حتى صدور القانون عن الزواج رقم 1 لسنة 1974.

كان إصْدَار القرار الملكي الهولندي (Koninklijk Besluit) رقم 24 فى 19 يناير 1882 م المكتوب فى الجريدة الرّسميّة (Staatsblad) 1882-152 قد غيّر تشكيلاً للمحاكم الشَّرْعية ومكانتها. وذلك أن سلْطة المحْكمة الشرعيّة التى تسمى يومئذ بـ preisterraacf لم تزل تدور حوْل نطاق الزواج والمواريث, و عدا ذلك فإنّ القرار يقوم أيْضا بالتّسليْم والإعْتراف بوجوْد المحكمة الشّرعيّة المستندة إلى الشّريْعة الإسْلاميّة كمرجع أساسي لها كما كانتْ منْ قبْل (ِAchmad Rustandi: 2).

وبتطبيق الجريدة الرّسْمية (Staatsblad) سنة 1937 رقْم 116 حصل تنْقيْص سلْطة المحْكمة الشّرْعيّة فى منطقة جاوا و مادوْرا فى قضاء النزاعات المالية. وبهذا فإنّ قضيّة النزاع فى مجال الأوْقاف و المواريث ينْتهى حكمها إلى المحاكم العامة. وتحْتج حكومة الإحتلال الهوْلنْدية لهذا التّنْقيْص بأنّ الواقع في الحياة الإجْتماعيّة يشيْر إلى أنّ الشّريْعة الإسْلامية لا تتأثر تأْثيْرا عميْقا فى نظام التّوْريْث عنْد العائلات الجاويّات والمادوْريّات, كذلك في سائر المناطق الأخرى فى إندونيسيا (Daniel S. Lev: 35-36).

وفى 3 يناير 1946 تأسست وزارة الشؤون الدينية تنفيذا لقرار الحكومة رقم 1 JSD , ثم انْتقل جميع الإدارات بالمحاكم الشّرعية العلْيا من وزارة العدل إلى وزارة الشّؤون الدينية بتقرير الحكومة فى 25 مارس 1946 رقم 5/SD. فهذه الخطوة تمكن من توطيد جميع المؤسسات الإسلاميّة فى لجنة وطنية واحدة. فتطبيق القانون رقم 22 لسنة 1946 تشير بوضوح إلى مقاصد توحيد الإدارة فى مجال الزواج والطلاق والرجعة فى جميع المناطق الإندونيسية تحت رقابة وزارة الشؤون الدينية (Achmad Rustandi: 3).

إن المحاولة لإزالة المحاكم الشرعية ما زالت تـتواصل إلى أن صدر القانون رقم 19 لعام 1948 و القانون الضروري رقم 1 لعام 1951 عن العملية المؤقّة لإجراء وحدة ترتيب السلطة و إجراءات التقاضى فى المحاكم الشرعية, ومن مضمونهما ما يعتبر نقطة أساسية بأن المحاكم الشرعية تعتبر قسما مستقلا من القضاء ذي الإدارة الذاتية بينما القضاء العرفي لا يكون منسوخا و استمراريته تُنظّم بالنظام الحكومي. وكان صدور هذا القرار الحكومي قد واجهته الحواجز و العراقيل حتى يتمّ صدوره بعد مُضي سبع سنوات بصدور النظام الحكومي رقم 45 لعام 1957. (مختار زركشى: 33-37)

و بعد صدور القانون رقم 14 لعام 1970 الذي ينص على المبادئ الأساسية عن السلطة القضائية بدأ موقف القضاء الديني يبرز في نظام القضاء بإندونيسيا. وهذا القانون يؤكد المبادئ ما يلي :

  1. أن القضاء ُيعقَد لأجل العدالة على أساس الألوهية الوحيدة
  2. أن السلطة القضائية قامت بها المحكمة من دائرة المحاكم العامة و المحاكم الشرعية و المحاكم العسكرية و المحاكم الإدارية الحكومية
  3. أن المحكمة العليا هي أعلى محكمة في الدولة
  4. أن الهيئات التي تـقـوم بإجراء القضاء خاضعة للوزارة المَعْنِيَّة من حيث التنظيم و الإدارة و الشؤون المالية
  5. أن هيكل السلطة و إجراءات التقاضى من كل تلك هيئات القضاء ينظم بالقانون المستقل

 

هذا الوضع يؤتى الأساس القوي لاستقلالية المحاكم الشرعية و تجعل موقفها يتساوى مع أنواع المحاكم الإخري في إندونيسيا.صدور القانون رقم 1 لسنة 1974 بشأن الزواج تعزز المحاكم الشرعية. ففي هذا القانون لم يكن هناك أي فقرة التي تعارض الأحكام الإسلامية. و قد نص في المادة 12 فقرة 1 من هذا القانون تعزز تطبيق الأحكام الإسلامية في إندونيسيا.

مع صدور القانون رقم 7 لسنة 1989 بشأن المحاكم الشرعية أعطي الأساس القانوني القوي لتحقيق المحاكم الشرعية المستقلة وتأمين المساواة وتؤيد موقف المحاكم الشرعية أمام المحاكم الأخري.

و في تاريخ تطورها، العلماء هم الذين يقومون بمهام القضاء في المحاكم الشرعية. من جملة العلماء المشهورين بعمل القضاء حينذاك هم: العالم الفقيه باكوألامان (Pakualaman)، الأستاذ عبد الله سراج، العالم الفقيه بوربالينجا (Purbalingga)، الأستاذ أبو عمار، العالم الفقيه تيغال (Tegal)، الأستاذ محمد سوباري، العالم الفقيه كوتاأرجو (Kutoarjo)، الأستاذ محفوظ، العالم الفقيه تيمانجونج (Temanggung)، الأستاذ إحسان، العالم الفقيه سيرانج (Serang)، الإستاذ محمد عيسي، العالم الفقيه توبان (Tuban)، الأستاذ مستعين، رئيس المحكمة الشرعية العليا في عهد الهولندي و يابان و اندونيسيا، الأستاذ عدنان. منذ سنة 1970 مـ، تعيين الموظفين خاصة القضاة و المسجل في المحاكم الشرعية بدأت تأخذ من خريجي الكليات الإسلامية.

بعد وصف موجز عن التطور التاريخي للمحاكم الشرعية يمكن القول بأن المحاكم الشرعية تهدف إلى توفير الحماية والخدمات القانونية للمجتمع. من أجل تحقيق هذا الهدف بصورة منشودة، يتطلب ذلك إلى وجود الأجهزة التالية:

المؤسسية
المحاكم الشرعية المستقلة كما هي في المحاكم الأخرى التي دعمت بشكل كبير بالمرافق والبنية الأساسية ومبادئ توجيهية ملائمة و استفادة من تطورات العلم والتكنولوجيا.

المواد القانونية
الشريعة الاسلامية كمواد القانون في المحاكم الشرعية المنصوصة في أحكام قانونية واضحة. بدءا من مجموعة الأحكام الإسلامية، والتي بدورها تحتاج إلى صقلها وتطويرها، ثم القانون عن صدقة و بيت المال اللتان تتم مصادقتهما قريبا. و هكذا بنسبة لقوانيين الإجراءات فإنها تحتاج أيضا إلي تطويرها.

القوي العاملة (القضاة)
عند تنفيذ مهام و وظائف المحاكم الشرعية فإنه يحتاج الي القوى العاملة المتقنة و المحايدة. و في نفس الوقت، هم العلماء العاملون الذين يعيشون في وسط المجتمع و يكونون قدوة لهم.

عنوان المكتب

المديرية العامة لهيئة المحاكم الشرعية
مبنى سكرتارية المحكمة العليا (الملازم ٦-٨)
الشارع أحمد ياني كاف. ٥٨عن طريق باس، جاكرتا بوسات
هاتف: ٠٢١- ٢٩٠٧٩١٧٧
الفاكس: ٠٢١-٢٩٠٧٩٢٧٧
البريد الإلكتروني: ditjen.badilag[at]mahkamahagung.go.id